Home Ads

قصة طعام عبد الملك والأعرابي

قصة طعام عبد الملك والأعرابي

صنع عبد الملك بن مروان  طعاما فأكثر وأطاب ودعا الناس فأكلوا، فقال بعضهم: ما أطيب هذا الطعام وأكثره؛ وما أظن أحدا أكل أطيب منه. 
فقال أعرابي من ناحية القوم: أما أكثر فلا، وأمّا أطيب فإنّي قد أكلتُ أطيب منه؛ فطفقوا يضحكون منه؛، فأشار إليه عبد الملك؛ ادنُ منّي. 
فدنا منه فقال له: أما لما تقول تحقيق؟ فكيف يكون ذالك! قال: بلى يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا في هَجَر في ثرى أحمر في أقصاها حَجْر إذ توفي أبي وترك عيالا ونساء ونخيلا. 
وكان في نخلة طويلة-لم ير الناظرون أحسن منها-، 
تمر كأخفاف الرباع لم ير تمر قط أكبر لحما ولا أصغر نوى، ولا أحلى حِلاوة منها، وكانت أتان وحشية قد ألِفَت تلك النخلة فتثبت برجليها وترفع يديها وتعطو بفيها؛ فلا تترك فيها إلا النبذ والمتفرق؛ فأعظمني ذلك منها، ووقع مني كل موقع؛ فانطلقت بقوسي وسهمي وزَندي، وأنا أظن أني أرجع من ساعتي، 
فأقمت يوما وليلة حتى إذا كان السحر أقبلت ففعلت كفعلها في كل ليلة فرميتُها فأصبتُها ثم عمدتُ إلى سُرِّها فأبرزته ثم عمدت إلى حطب جَزل فجمعته وإلى رَضْف فوضعتُه وإلى زَنْدي فأوريتُه ثم ألقيت سرَّها فيها، فأدركني نَومَ السبات، فنمتُ فلم يفزعني إلا حرّ الشمس، ثم انطلقت فكشفْتها وألقيت عليها من أطايب تلك النخلة من مجزّعة ومَنصَّفة فسمعتُ لها أطيطا كتداعي القطا وغطيطا، ثم أقبلت أتناول الشحمة واللحمة بالتمر.
فقال عبد الملك: لقد أكلتَ طيِّبا، فمن أنت؟ قال: أنا رجل جانبتني صَأصَأة اليمن، وعَنعَنَة تميم وأسد، وكشْكَشة ربيعة، وفَدْفَدةُ الأسد.
فقال عبد الملك: فمن أنت؟ قال: أنا رجل من أخوالك بني عذرة. 
قال عبد الملك: أولئك أفصح العرب، فهل لك معرفة بالشعر؟ قال: سل عمّا بدا لك منه يا أمير المؤمنين، قال: أي بيت قالت العرب أمدح؟ قال: قول الشاعر: 
ألستم خير من رَكِب المطايا ** وأندى العالمين بطونَ راح
قال: فتحرك جرير، وكان في المجلس؛ فقال عبد الملك: فأيُّ بيت قالت العرب أفخر؟ قال قوله حيث يقول:
إذا غضبت عليك بنو تميم ** حَسبتَ النّاس كلهم غِضابا
فتحرّك جرير وتطاول. 
ثم قال عبد الملك: فأي بيت قالت العرب أهجى؟ قال قوله حيث يقول:
فغُضَّ الطرف إنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كِلابا
فتحرّك جرير. 
فقال عبد الملك: فأيّ بيت قالت العرب أغزل؟ قال قوله حيث يقول:
إنّ العيون التي في طرفها حَوَرٌ ** قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللّب حتى لا حِراك به ** وهنّ أضعف خلق أركانا
فتحرّك جرير. 
فقال عبد الملك: فأي بيت قالت العرب أحسن تشبيها؟ قال قوله حيث يقول:
يُرى لهم ليل كأن نجومه ** قناديل فيهن الذُّبال المفَتَّل
فقام جرير وقال: أصلح الله أمير المؤمنين؛ قد وهبت جائزتي لأخي عذرة. 
قال عبد الملك: ومثلها معها. 
وكانت الخلفاء إذا وفد عليهم جرير أجازوه بأربعة آلاف. 
فخرج الأعرابي  وبيده اليمنى ثمانية آلاف وفي الشمال رِزمة ثياب.
جمهرة أشعار العرب صـ: 103📚

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

قصة يونس طالب الامام الشافعي

قصة يونس طالب الامام الشافعي تُحدثنا كتب التاريخ بأن "يونس بن عبد الأعلى" كان أحد طلاب اﻹمام الشافعي.. إختلف مع أستاذه اﻹمام ...

تعليقات

اتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *